معركة الدلم
أزعجت انتصارات الأمير عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود في جنوب الرياض وغربها خصمه اللدود الأمير عبدالعزيز بن متعب بن رشيد فخرج من حائل في شهر ربيع الأول سنة 1320هـ/ يونيه1902م ومعه قواته من حاضرة جبل شمر وباديته، واستنفر أتباعه في القصيم والوشم وسدير والمحمل والشعيب ، ووصل بالجميع إلى " رَغَبة " إحدى بلدان المحمل، وأقام بها شهرَين ثم تقدم بعد ذلك إلى الحسي شمال الرياض وأمر بادية قحطان بالنزول قرب بلدة ضرما ، كما أرسل إلى هناك أيضاً سالم بن سبهان ومعه أتباع له من أهل القصيم ، وبعث سعد الحازمي لكي يستنهض القبائل المجاورة للأحساء من العجمان وآل مرة ولكنه فشل في مهمته إذ كان الأمير عبدالعزيز آل سعود قد أرسل أخاه محمد وعبدالله بن جلوي إلى تلك القبائل فتمكنا من الحصول على تأييدها ، ثم خطر لابن رشيد أن يتحرك جهة الحفر ليقطع عن ابن سعود التموين الذي يأتي من الكويت.
أما الأمير عبدالعزيز بن سعود فقد استعد لأول لقاء عسكري مباشر مع خصمه عبدالعزيز بن رشيد ، فبعد أن حصن الرياض خرج منها تاركاً فيها حوالي ألف مسلح مع والده الإمام عبدالرحمن للدفاع عنها وتوجه أولاً إلى حوطة بني تميم جنوب الرياض ليستنهض أهلها، وبعث أخاه سعد إلى بلدة الحريق مستنجداً بأهلها ، وجعل عبدالله بن جلوي يرابط بقوات في "عليّة" التي تقع بين البلدتَين المذكورتَين ، كما رابطت سرية من قواته بقيادة السديري في الدلم .
وقد أظهر سلطان نجد نبوغاً عسكرياً في قيادته وتخطيطه، إذ فضل أن تكون أول مواجهة مباشرة له مع ابن رشيد في منطقة يطمئن إليها ويكثر فيها الأنصار وتكون خطوط الانسحاب منها آمنة أيضاً ، واستدرج خصمه إلى جنوب نجد.
ولما علم ابن رشيد بخروج الأمير عبدالعزيز بن سعود إلى الجنوب أسرع إلى الرياض ظناً منه أن خلافاً قد حصل بين الأمير عبدالعزيز ووالده ليفاجأ بحصانة البلدة ومناعتها فتركها وتوجه إلى الخرج لملاقاة عبدالعزيز بن سعود مع أربعة آلاف من مقاتليه في بلدة نعجان وكانت ترابط بالقرب منها قوات الأمير السعودي في بلدة الدلم بقيادة السديري ، وكان معظم جيش الأمير عبدالعزيز بن سعود مكوناً من أهالي بلدتَي الحوطة والحريق ، وبلغ عددهم ألفَي مقاتل .
وصلته أخبار مجيء عبدالعزيز بن رشيد بجيشه إلى نعجان وهو لا يزال في الحوطة فتقدم ودخل بلدة الدلم ليلاً من دون علم خصمه ، ولما هاجمت قوات ابن رشيد الدلم فوجئت بالمقاومة العنيفة واندحرت عنها، فأدرك عندها أن الأمير عبدالعزيز بن سعود وراء هذه المقاومة ، واستمرت المناوشات بين الطرفَين مدة شهر ونصف صمدت فيها قوات ابن سعود على الرغم من معاناتها نقصاً في الرجال والعتاد ، واضطر ابن رشيد إلى الانسحاب والعودة إلى نعجان بعد أن لمس قدرة عدوه على الصمود، وتعقبه ابن سعود إلى السلمية ووقعت بينهما اشتباكات غير حاسمة، وحينما أيقن ابن رشيد أن لا قدرة له على مواجهة خصمه انسحب ليلاً تاركاً نيران معسكره موقدة لتمويه انسحابه وتوجه نحو شمال نجد.
كانت موقعة الدلم أو "السلمية" أول مواجهة بين الخصمَين ابن سعود وابن رشيد ، وعُدت انتصاراً لابن سعود ، ويرجح أنها كانت في شهر شعبان من عام 1320هـ / نوفمبر 1902م .