عبيد الله المهدي
مؤسس دولة العلويين في المغرب, وجد العبيديين ملوك مصر. كان عبيد الله يسكن في مدينة (السلمية) الواقعة قرب مدينة حماة بسورية, وكان أبوه يرسل الدعاة إلى البلاد لبث الدعوة للمهدي المنتظر, وكان داعيته إلى اليمن يدعى رستم بن الحسين بن حوشب النجار, وبمسعاه رسخت الدعوة في اليمن, وكان لها أنصار وأتباع. وقد وجه ابن حوشب إلى المغرب داعية قوي العزم واسع الحيلة, عليم بأسرار الدعوة فصيح قدير على الجدل والإقناع, يدعى أبا عبد الله ويعرف بالشيعي, فاستطاع بما أوتي من علم ودهاء أن ينشر الدعوة في قبيلة (كتامة) وهي من أقوى قبائل البربر, فمهد لعبيد الله, وفتح بلدانا وناصرته قبيلة (كتامة) ووعدها بقرب ظهور المهدي (إمام الزمان) . وأرسل أبو عبد الله الشيعي رسله إلى عبيد الله يدعوه, فبلغ خبره الخليفة المكتفي بالله, فأرسل إلى عامله في الشام يأمره بالقبض على عبيد الله, فلما علم عبيد الله بذلك فر من سلمية إلى مصر ومنها إلى المغرب, مجتازا المخاطر التي كانت تتربص به للقبض عليه, وصحب معه ابنه محمد القائم بأمر الله وخاصة مواليه, ولقي أبا عبد الله الشيعي في القيروان وكان أبو عبد الله قد استولى عليها سنة 397 وهزم آخر أمراء الأغالبة فيها. وأعلن أبو عبد الله للناس أن عبيد الله هو (المهدي) فبايعوه واستوطن عبيد الله في مدينة (رقادة) وبعث الولاة إلى طرابلس وبرقة وصقلية, واختارهم من قبيلة (كتامة) واستولى على (تاهرت) وحاول الاستيلاء على مصر مرتين, فلم يظفر وصدته جيوش الخلافة العباسية.
اختط مدينة (المهدية) سنة 303هـ واتخذها قاعدة ملكه وتوفي عن 63 سنة بعد أن حكم أربعا وعشرين سنة.
يعرف أخلاف عبيد الله المهدي بالعبيديين ويعرفون أيضا بالفاطميين نسبة إلى فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأم الحسن والحسين, ويعرفون بالإسماعيليين, لأنهم يرجعون نسبهم إلى آل البيت عن طريق إسماعيل بن جعفر الصادق كذلك يعرفون بالسبعية لأن إسماعيل بن جعفر الصادق هو عندهم الإمام السابع, وهم ينحدرون من ابنه محمد بن إسماعيل الذي اختفي واستتر خوفا من بطش العباسيين وهو عندهم أول الأئمة المستورين حتى ظهور عبيد الله المهدي وبه يبدأ دور أئمة الظهور.
ولما استولى العبيديون على مصر سنة 358هـ أيام المعز لدين الله دعيت دولتهم بالدولة الفاطمية, ودعي مذهبهم بالمذهب الإسماعيلي. وقد اتسعت دولتهم باستيلائهم على الشام والحجاز واليمن وبلغت دعوتهم العراق, وخطب لهم في بعض مدنها, فهب الخليفة العباسي القادر بالله لصد الدعوة, فجمع العلويين والعباسيين والقضاة والعلماء سنة 402هـ وكتبوا محضرا بالقدح في نسب العبيديين وقعه من العلويين الشريف الرضي وأخوه الشريف المرتضى .وتكرر الطعن في نسب العبيديين في عهد الخليفة القائم بأمر الله فقد جمع العلماء والفقهاء والعلويين والهاشميين والعباسيين فكتبوا محضرا على نحو المحضر السابق, وسيره الخليفة في الأقطار.
وقد وقف المؤرخون من دعوى العبيديين موقفين مختلفين, فمنهم الطاعنون القادحون في نسبهم ومنهم المؤيدون القائلون بصحته, وكل من الفريقين مختلف في عدد الأئمة وفي أسمائهم. فأما الطاعنون المنكرون انتساب العبيديين لآل البيت, فهم مختلفون في تعليل الطعن, فمنهم من يقول أن عبيد الله يهودي الأصل وأن أباه اليهودي سماه سعيدا, وكان حدادا في مدينة (سلمية) . ولما مات أبوه تزوجت أمه من رجل يدعى الحسين بن عبد الله بن ميمون بن عبد الله القداح الديصاني الأهوازي , وأن الحسين كان مولى لجعفر الصادق ومنه أخذ المذهب الشيعي, وقد تولى تربية سعيد وعلمه أسرار المذهب والدعوة له, ولما كبر سعيد ادعى لنفسه نسبا علويا ودعا الناس إلى إتباعه, ثم دخل المغرب وتسمى بعبيد الله المهدي وتكنى بأبي محمد وكنى ابنه بأبي القاسم.
ومن الطاعنين أيضا آخرون يقولون أن عبيد الله المهدي هو ابن ميمون القداح, وأن جده القداح كان مجوسيا ثنويا يؤمن بوجود إلهين: إله النور وإله الظلمة, وإن عبيد الله نشأ على دين أبيه وجده, وكانت غايتهم تقويض الإسلام والقول بالباطن عن طريق التأويل والقول بأن للقرآن ظاهرا وباطنا ومثله السنة النبويه, وإن العبرة فيهما للباطن لا للظاهر, وبذلك يتخذون من طريقتهم وسيلة لإحياء عقائد المجوسية والديصانية.
وأما القائلون بصحة نسب العبيديين فمنهم ابن الأثير وابن خلدون والمقريزي, وحجتهم في ذلك أن أئمة العبيديين قد ستروا أنفسهم خوفا من بطش العباسيين وعملوا على تبديل أسمائهم للتمويه, وقد عبر ابن خلدون عن رأي هؤلاء بقوله: "إن طبيعة الوجود في الانقياد لهم وظهور كلمتهم في مكة والمدينة أدل شيء على صحة نسبهم". ويستشهد ابن الأثير بقصيدة أنشدها الشريف الرضي في الاعتراف بصحة نسب العبيديين, وكان الرضي قد وقع من قبل, على محضر الطعن في نسبهم.
ويقول ابن الأثير أن أبا الشريف الرضي طلب إلى ابنه أن يعتذر للخليفة العباسي القادر بالله فلم يفعل ويضيف ابن الأثير فيقول: ففي امتناع الرضي من الاعتذار, دليل قوى على صحة نسب العبيديين .ومهما يكن من أمر, فإن العبيديين (الفاطميين) استطاعوا إقامة دولة ذات حضارة راسخة دامت نحوا من ثلاثمائة عام ونيف واحتلت مركزا مهما في تاريخ الإسلام.
وقد عرف مذهب العبيديين بالمذهب الإسماعيلي, وهو في الأصل مذهب شيعي, افترق عن الشيعة الاثني عشرية عند انتقال الإمامة إلى موسى الكاظم فاعتمد بعض الشيعة إمامة أخيه إسماعيل وعرفوا بالإسماعيلية. ويتفق الفريقان في وجوب وجود إمام يؤمنون بعصمته عن الخطأ ويبايعونه على الطاعة فيما يأمر به وينهي عنه. والإمام عند الإسماعيلية مخلوق من نور الله, وأن نور الله حل فيه, وكل فضيلة وردت في القرآن الكريم أو في الأحاديث النبويه تؤل على أن المراد بها الإمام وأن الإمام هو وجه الله ويده, ويفسرون ذلك بأن الإنسان لا يعرف إلا بوجهه, ولما كان الإمام هو الذي يدل الناس إلى معرفة الله, فبه يعرف وجه الله. كذلك فإن الإمام هو الذي يدافع عن دين الله ويبطش بأعدائه, فهو بمثابة يد الله, وهكذا يخلعون بقية صفات الله على الإمام, وأن أسماء الله الحسنى الذي نسبها الله تعالى لنفسه في القرآن الكريم, لا تقال لله تعالى وإنما تطلق عندهم على ما يعرف عند قدماء الفلاسفة بالعقل الكلي المتصف بصفة الكمال. وقد أطلقوا على العقل الكلي اسم (المبدع الأول) وهو عندهم الواحد, القهار, الجبار, العزيز, المذل... وإنه هو الذي خلق (المبدع الثاني) وهو عندهم النفس الإنسانية ويطلقون عليها (النفس الكلية) , ويجعلون لها جميع الصفات التي يختص بها (العقل الكلي) إلا أن هذا العقل كان أسبق منها في الوجود وإلى توحيد الله وتنزيهه, وبذلك كان (العقل الكلي) أسبق من (النفس الكلية) وأفضل, فسمي العقل الكلي بالسابق وسميت النفس الكلية باللاحق أو التالي, وبواسطة العقل الكلي والنفس الكلية وجدت جميع المبدعات الروحانية والمخلوقات الجسمانية, وكل ما نشاهده في هذه الدنيا من جماد ونبات وحيوان وإنسان, وما في السماوات من كواكب ونجوم, فالخالق عند الإسماعيلية إذن هو العقل الكلي. وقد جاءوا بهذه الآراء لإسباغ صفة خاصة على الإمام, فالعقل الكلي في العالم العلوي أي (الله) يقابله الإمام في العالم الجسماني, وهذا يعني عندهم أن كل الأسماء والصفات التي خلعت على العقل الكلي هي أيضا صفات وأسماء للإمام, لأن الإمام مثل للعقل الكلي, فأسماء الله الحسنى التي قالوا عنها أنها أسماء العقل الكلي هي أسماء للإمام, فالإمام عندهم هو الواحد الأحد, الفرد, الصمد, المنتقم, الجبار, القهار... إلى آخر أسماء الله الحسنى, ولذلك نرى ابن هانئ الأندلسي الشاعر يؤكد هذه العقيدة في مطلع قصيدته التي مدح بها المعز لدين الله الفاطمي وهي:
مــا شـئت لا مـا شـاءت الأقـدار فــاحكم فــأنت الواحــد القهــار
ويعبر عن هذه العقيدة شاعر آخر يمدح المعز لدين الله فيقول :
هــذا أمــير المــؤمنين بمجـلس أبصــرت فيــه الوحـي والتـنزيلا
وإذا تمثــل راكبــا فــي مـوكب عــاينت تحــت ركابــه جـبريلا
حسبنا الله ونعم الوكيل!!!
ويعتمد الإسماعيليون في نشر مذهبهم على مجموعة من الرجال يعرفون باسم (الدعاة) ويعملون بوحي الإمام وعلى رأسهم من يسمى بداعي الدعاة, وهو يلقي عليهم- في مجالس تعرف بمجالس الحكمة - تعاليم المذهب بسرية يلتزمون فيها بالكتمان. وتقوم هذه التعاليم على (علم الباطن) , فقد ذهب الإسماعيلية إلى أن لكل شيء ظاهرا محسوسا تأويلا باطنيا يدل عليه, فكل ما في القرآن ظاهر يدل عليه تأويل يفسر حقيقته, مستدلين في ذلك بقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ } وقد خص أئمتهم ودعاتهم بعلم التأويل دون غيرهم من البشر, وأوغلوا في التأويلات الباطنية لآي الذكر الحكيم, مما لا يحتمله ظاهر القرآن أي احتمال, ولذلك يسميهم أهل السنة (الباطنية) , فتأويل الصلاة عندهم هو الاتجاه القلبي للإمام, وتأويل الصيام عندهم هو عدم إفشاء أسرار الدعوة, وتأويل الحج عندهم هو زيارة الإمام, وفي قوله تعالى :{وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ }إن الفجر هو علي بن أبي طالب وأن الشفع والوتر هما الحسن والحسين.ولا ريب أن أسلوب التأويل الذي سلكه الإسماعيليون وسائر تعاليمهم, إذا صحت - فإنها غريبة عن الإسلام وليست منه في شيء, وفيها أثر ظاهر من ديانات وعقائد لشعوب سبقت الإسلام وقد دست فيه لإفساد شريعة الله وبذر الفرقة بين المسلمين.