ال خليفة

ينتسب آل الخليفة إلى فرع الشملان، وهم من فخذ جُميلة، من قبيلة عنزة. وقد هاجرت جماعة من قبيلة عنزة ومن غيرها، أطلق عليها "عتبة" أو "العتوب"، من موطنها في منطقة الهدار، الواقعة في الأفلاج، جنوبي نجد، نتيجة للقحط والجدب، وانتقلوا في مسيرتهم نحو ساحل الخليج العربي، في النصف الثاني من القرن الحادي عشر الهجري/ النصف الثاني من القرن السابع عشر الميلادي تقريباً.

فاستوطنوا، في أول الأمر، شبه جزيرة قطر، ثم نزحوا عنها. وتنقلت جماعة العتوب على شاطئ الخليج العربي، حتي بلغت "الكوت"، وهو حصن ابن عريعر، زعيم بني خالد، وأقامت فيه، والذي سمي فيما بعد  "الكويت". وكان بنو خالد يبسطون سلطانهم على تلك المناطق، ونمت بينهم وبين العتوب علاقات مودة، واتخذ العتوب مدناً صغيرة على الساحل لسكناهم مثل الكوت والزبارة. وبإقامة العتوب على السواحل، تعلموا ركوب البحر للتجارة، وتعاظمت سفنهم. وبدأت مظاهر الثروة تعم مناطقهم، وصاروا قوة اقتصادية ملحوظة.

ولما أفل نجم بني خالد، تحت ضربات الدولة السعودية الأولى عام 1210 هـ/ 1795هـ، سطع نجم العتوب.

ومن العتوب تفرعت أسرة آل خليفة في البحرين وأسرة الصباح في الكويت. وكان العتوب قد قسموا الاختصاصات بينهم، فتولى آل صباح الحكم، وتولى آل خليفة التجارة، وتولى الجلاهمة القتال في البحر.

شيوخ آل خليفة

1. محمد بن خليفة (1179 ـ 1190هـ/ 1765 ـ 1776م)

ولما وقع الخلاف بين العتوب، رحل آل خليفة من الكويت إلى الزبارة، على الساحل الغربي لقطر، في عام 1179هـ/1765م. وكان على رأسهم آنذاك محمد بن خليفة. كما رحل الجلاهمة إلى منطقة الرويس في قطر، وقدموا المساعدة لآل خليفة في السيطرة على البحرين في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي.

وكانت الزبارة، يومئذ ميناء تجارياً، تشتهر بتجارة اللؤلؤ. وكانت تحت حكم آل مسلم الخاضعين لزعامة بني خالد. وكان محمد قد جاء إلى الزبارة يريد التجارة لا السيادة، ولكنه في النهاية حظي بهما معاً، فقد اتصف محمد بالورع والتقوى والحكمة، فأحبه أهل الزبارة ورحبوا به، وحَسّنوا له أن يقيم معهم ولا يفارقهم، وما لبثوا أن اختاروه أميراً أوكلوا إليه إدارة شؤونهم. وبقي الشيخ محمد يدير أمور الزبارة حتى توفي.

2. خليفة بن محمد بن خليفة (1190 ـ 1197هـ/ 1776 ـ 1783م)

خلف محمد بن خليفة ابنه خليفة عام 1190هـ/ 1776م، وبقي يحكم مدة سبع سنوات ثم توفي في مكة، أثناء أداء فريضة الحج، سنة 1197هـ/1783م.

3. أحمد بن محمد بن خليفة (1197 ـ 1209هـ/ 1783 ـ 1794م)

خلف أخاه عام (1197هـ/ 1782م) وفي عهده استقر حكم آل خليفة في الزبارة. وازدهرت لديهم تجارة اللؤلؤ، فكانوا يذهبون إلى البحرين لشراء اللؤلؤ، ومن ثم يبيعونه في الهند. وكانت جزيرة البحرين المقابلة للزبارة تحت حكم الفرس وعليها عامل هو الشيخ نصر آل مذكور. وحدث ذات يوم خلاف بين فريقين من أهلها، قتل فيه أحد خدم آل خليفة، فثأر له أهل الزبارة، فتحرك حاكم البحرين "نصر آل مذكور" وجهز أسطولاً غزا به الزبارة. فتصدى له أهلها، واستطاعوا هزيمته هزيمة نكراء، فر على أثرها إلى ميناء "بوشهر" على الشاطئ الإيراني من الخليج هو وحاميته. فاستولى أحمد بن محمد بن خليفة على البحرين، وعرف من يومها بأحمد الفاتح، وكان ذلك في سنة 1197هـ/ 1782م. وبذلك انضمت البحرين إلى ملك آل خليفة، فدخلها أحمد، وعين عليها عاملاً من قبله، وجعل ينتقل ما بين الزبارة والبحرين وعاد إلى قطر.

4. سلمان بن أحمد بن محمد بن خليفة (1209 ـ 1236هـ/ 1794 ـ 1821م)

بعد وفاة أحمد الفاتح خلفه ابنه سلمان عام 1209هـ/ 1794م، الذي عاصر الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود ـ الدولة السعودية الأولى. وعندما تمكن الإمام عبدالعزيز بن محمد آل سعود من الاستيلاء على الأحساء، وتمكنت قوات آل سعود بقيادة إبراهيم بن عفيصان، من محاصرة الزبارة، اضطروا وشيخهم سلمان إلى الفرار إلى البحرين. ولكن لم يهنأ لهم العيش في البحرين. فقد فروا من الزبارة خوفاً من قوات عبدالعزيز آل سعود، فجاءهم عبر البحر حاكم مسقط سلطان بن أحمد. في محرم عام 1216هـ/ مايو 1801م فبادر إليه سلمان بن أحمد وأظهر موالاته، وعقد معه صُلحاً، قدَّم بموجبه أحد إخوانه رهينة لحاكم مسقط، وولى سلطان ابنه سعيداً والياً على البحرين عام 1215هـ/ 1800م وعاد إلى مسقط، وعاد آل خليفة إلى الزبارة. وعندما علم آل خليفة بوفاة ابنهم الرهينة لدى حاكم مسقط، شرعوا في البدء باتخاذ التدابير المناسبة لاستعادة البحرين. فطلب سلمان العون والمساعدة من عبدالعزيز آل سعود، الذي أوفد إليه أحد قواده وهو إبراهيم بن عفيصان، الذي تمكن من مساعدة أهل الزبارة في استعادة البحرين، وطرد سعيد بن سلطان منها ، ولكن إبراهيم بن عفيصان لم يدع آل خليفة يقيمون في البحرين، وأعادهم إلى الزبارة، وبعد أن كانت جزيرتهم في يد آل سعيد حلت في يد آل سعود.

فعزم آل خليفة على رفع أمر ابن عفيصان إلى الإمام عبدالعزيز آل سعود، لعله يأذن لهم في العودة إلى البحرين. وقبل أن يتخذوا هذه الخطوة، فاجأتهم جيوش آل سعود، واستولت على الزبارة، وجاء الأمر لآل خليفة بالسفر إلى الدرعية، التي صار الحكم فيها إلى الإمام سعود بن عبدالعزيز آل سعود. فوصل إلى الدرعية في سنة 1224هـ/ 1809م، ثلاثة من وجوه آل خليفة، ومعهم بعض أهل الزبارة. فأذن سعود لأهل الزبارة بالعودة إلى ديارهم، وأبقى آل خليفة محجوزين لديه. في هذه الأثناء، توجه  عبدالرحمن بن راشد آل فضل ـ ابن أُخت آل خليفة ـ من الزبارة يطلب العون والمساعدة من سعيد بن سلطان حاكم مسقط، فلم يجد لديه سوى دعم مادي، استغله في تجنيد جيش من عرب النصور المقيمين في بلاد فارس. وأخبر أخواله آل خليفة بأنه تمكن من إعداد جيش، يستطيع به استرداد البحرين، فوافاه أخواله عندها، وتمكنوا من إخراج إبراهيم بن عفيصان من البحرين. فنزل إبراهيم بن عفيصان عند رحمة بن جابر الجلاهمة في قطر. وبذلك استولى عبدالرحمن بن راشد على البحرين، وأعادها إلى آل خليفة، عام 1225هـ/ 1810م. وكان شيخهم سلمان بن أحمد ما زال محتجزاً في الدرعية، لدى الأمام سعود بن عبدالعزيز، الذي أرسل رجالاً ليأتوه بالخبر، هل استولى عبدالرحمن بن راشد على البحرين لنفسه، أم ليعيدها إلى سيادة آل خليفة. وعندما التقى رسل سعود بن عبدالعزيز بعبد الرحمن بن راشد، أغلظوا له القول، ومما قالوه: كيف يستولي أبناء سلمان على البحرين، ووالدهم في قبضتنا. فكان رد خليفة بن سلمان: نحن أخذنا البحرين لأنفسنا، ولا حاجة لنا بآبائنا، فقد يئسنا منهم. فغضب رجال سعود بن عبدالعزيز من هذا الرد، وهددوا خليفة بن سلمان وعبدالرحمن بن راشد، بأن البحرين لو كانت متصلة بالبر لما جعلوا فيها حصاة فوق أختها. فرد عليهم عبدالرحمن بأنه لو تمكن من أن يطل بسفينة على الدرعية، لَجَعَل عاليها  سافِلَها. ولكن آل سعود انشغلوا في ذلك الوقت بحملة إبراهيم باشا، التي وصلت إلى الحجاز، فأطلقوا سراح آل خليفة وعاد الشيخ سلمان بن أحمد آل خليفة إلى حكمه، وجعل إقامته في بلدة الرفاع في البحرين، وبنى بها قلعة عام 1227هـ/ 1812م فعادوا إلى البحرين.

وإذا كان آل خليفة قد تخلصوا من سيطرة آل سعود، فقد بقي لهم عدو في قطر هو إبراهيم بن عفيصان الذي تحالف مع رحمة بن جابر الجلاهمة الذي كان ذا قوة وشجاعة فائقة كما كان يحظى بتقدير عال من قومه ولم يخضع من قبل لآل خليفة. وعندما نزل عليه ابن عفيصان زاده طمعاً في الاستيلاء على قطر والبحرين، واغتصاب الملك من آل خليفة. ولم تكن أطماع رحمة بن جابر خافية على آل خليفة، فما كان منهم إلاّ أن أبحروا بسفنهم من البحرين إلى قطر، للقضاء عليه مع ابن عفيصان، قبل أن يستفحل خطرهما. فلقي رحمة وحليفه ابن عفيصان هزيمة منكرة، على يد آل خليفة، لكنها لم تقض على خطرهما تماماً.

وتعرض آل خليفة بعد ذلك لهجوم من حاكم عُمان، سعيد بن سلطان، الذي قبض على إحدى سفن البحرين المتجهة إلى الهند، وفيها عبدالرحمن بن راشد آل فضل، عدوه الأكبر، فاعتقله في مسقط، وكتب إلى آل خليفة يأمرهم بطاعته وأداء الخراج له، فرفض آل خليفة شروطه فاستعد لحربهم، فجاء بأسطوله إلى البحرين، ومعه رحمة بن جابر، ونزلوا في سترة. فهزمهم آل خليفة شر هزيمة عام 1230هـ/ 1815م، وفر أهل عُمان عائدين إلى بلادهم عبر البحر، ثم توفي سلمان بن أحمد، فخلفه أخوه عبدالله بن أحمد، عام 1236هـ/ 1821م.

5. عبدالله بن أحمد بن محمد بن خليفة (1236 ـ 1265هـ/ 1821 ـ 1849م)

في بداية حكم عبدالله بن أحمد آل خليفة، حاول رحمة بن جابر الاستيلاء على البحرين مرة أخرى، فدخل القطيف في سفينته "غطروشة"، فتصدى له عبدالله بنفسه، وتمكن من القضاء عليه ، وتعرف هذه الواقعة في تاريخ البحرين باسم "ذبحة رحمة الجلاهمة". وبعد أن تمكن عبدالله آل خليفة من القضاء على رحمة بن جابر، شرع يوطد حكمه في المنطقة. فاستولى على "دارين" و"تاروت" و"سيهات" فتصدى له آل سعود.

ثم خرج على عبدالله ثلاثة من أبنائه، وكان لعبدالله عشرة أبناء ثلاثة منهم أمهم من آل بني علي، هم الذين خرجوا على أبيهم مطالبين بالإمارة، وتمركزوا في قرية الحويلة في شمال قطر، فأرسل إليهم جيشاً، بقيادة حفيد أخيه محمد بن خليفة بن سلمان. فلما رأى أبناء عبدالله يخرجون على أبيهم، حدثته نفسه بالملك. فحاصر عبدالله في المِحَرق، لكن عبدالله تمكن من فك الحصار، إلاّ أن محمد بن خليفة، لم ييأس حتى تمكن من طرد عبدالله من البحرين، عام 1258هـ/ 1842م، ففر إلى بلاد الفرس، ومنها إلى الكويت، ثم إلى نجد حيث التقى بحاكمها آنذاك عبدالله بن ثنيان آل سعود،، ومنها إلى مسقط، حيث مرض هناك ومات بها عام 1265هـ/ 1849م، طريداً، بعد فترة حكم امتدت لاثنتين وعشرين سنة، قضاها في الحروب والفتن.

6. محمد بن خليفة بن سلمان (1258 ـ 1284هـ/ 1842 ـ 1867م)

خلف عبدالله بن خليفة في الحكم محمد بن خليفة بن سلمان عام 1258هـ/1842م، الذي تسبب بحروبه وخروجه على عبدالله في انقسام آل خليفة إلى فرعين، هما: آل عبدالله وآل سلمان.

وخرج أبناء عبدالله، هاربين إلى الدمام، ومن هناك بدأت محاولتهم السيطرة على الحكم في البحرين. فجاءوا إلى قطر، فأرسل لهم محمد بن خليفة بن سلمان أخاه علياً على رأس جيش، نازلهم في أم سوية، فتولوا منه هاربين. فذهب أبناء عبدالله إلى الإمام فيصل بن تركي بن عبدالله آل سعود فأجاب طلبهم، وأمدهم بجيش في البحر، وآخر في البر. ولكنهم هُزموا على يد محمد بن خليفة، وعادوا خائبين، ثم حاصرهم علي بن خليفة في الدمام، أحد عشر شهراً، وكسر شوكتهم، فجنحوا للصلح. وكان الوسيط بينهم وبين محمد بن خليفة، الإمام فيصل بن تركي آل سعود. ونجح في ذلك، فعاد أبناء عبدالله إلى البحرين عام 1258هـ/ 1842م، فأكرمهم محمد بن خليفة.

وفي عهد محمد انفصلت قطر من البحرين، وخرجت من يد آل خليفة، فثار في قطر قاسم بن ثاني فوصل علي بن خليفة إلى الدوحة، ودخلها. وجاء بعد ذلك قاسم بن ثاني إلى البحرين، يلتمس العفو، فألقاه محمد في السجن. فثارت قطر وقبائلها وفي مقدمتهم عرب النعيم، وجاءوا إلى البحرين في سفنهم، وجرت بين الفريقين موقعة دامسة سنة 1284هـ/ 1867م، وكان النصر فيها حليف آل خليفة.

وفي هذه الأثناء تدخل الإنجليز في شؤون البحرين، وَوَقَّع محمد بن خليفة معاهدة نصت على أن يتنازل حاكم البحرين عن حقوقه في تجهيز الجيوش والسفن الحربية، وفي مقابل ذلك ترد إنجلترا أي اعتداء يقع على البحرين. فلما ثار أهل قطر على آل خليفة، وخرج محمد بن خليفة لحربهم، احتج الإنجليز على ذلك، وجاء الوكيل السياسي الإنجليزي للبحرين، وطالب بإقالة محمد بن خليفة من الحكم، لأنه نقض المعاهدة الموقعة مع الإنجليز، وأصر على طلبه، وقضى أيضاً بفرض غرامة على البحرين قدرها مائة ألف روبية.

وطلب الوكيل السياسي الإنجليزي من علي بن خليفة بن سلمان تولي الحكم بدلاً من أخيه محمد، الذي سقطت إمارته بخرق المعاهدة مع الإنجليز، فقبل علي العرض، وكان ذلك بداية الشقاق بينه وبين أخيه.

7. علي بن خليفة بن سلمان (1284ـ 1286هـ/ 1867ـ 1869م)

ما إن تولى علي بن خليفة الحكم في عام 1284هـ/ 1867م، حتى غادر محمد البحرين إلى الكويت. فتدخل آل الصباح للصلح بين الشقيقين. فكتب حاكم الكويت عبدالله الصباح إلى علي يسأله أن يُعيد أخاه إلى الحكم، فقبل علي ذلك، فجاء محمد إلى البحرين بصحبة أمير الكويت، ولكنهم قبل أن ينزلوا إلى البحرين، علموا أن علياً رجع في تعهده لأمير الكويت. فعاد محمد ونزل في دارين وتأهب للقتال. فاستطاع أن يحشد جيشاً من آل هاجر، غزا به البحرين وقتل أخاه علياً، وعاد محمد بن خليفة للحكم عام 1286هـ/ 1869م.

8. محمد بن خليفة بن سلمان (1286هـ/ 1869م)

عاد للحكم للمرة الثانية ولكن أبناء عبدالله آل خليفة انقلبوا عليه وسجنوه في قلعة (أبي ماهر) في البحرين ونادوا بأحدهم وهو محمد بن عبدالله حاكماً للبحرين عام 1286هـ/ 1869م، وأبعد محمد بن خليفة إلى بومباي ثم إلى عدن. فشفع له السلطان عبدالحميد لدى الحكومة البريطانية، فذهب إلى مكة عام 1305هـ/ 1888م، وتوفي بها سنة 1307هـ/ 1890م.

9. محمد بن عبدالله بن خليفة (1286هـ/ 1869م)

عندما علم الإنجليز بما حل بمحمد بن خليفة تدخل الوكيل السياسي الإنجليزي مرة أخرى، وخلع محمد بن عبدالله الذي لم يحكم إلاّ لمدة شهور فقط. واستشار أهالي البحرين في من يختارون ليتولى أمرهم، فاختاروا عيسى بن علي، وهو ابن أخي محمد بن خليفة بن سلمان.

10. عيسى بن علي بن خليفة (1286 ـ 1351هـ/ 1869 ـ 1932م)

عندما اختار أهالي البحرين عيسى بن علي بن خليفة بن سلمان حاكماً، كان يقيم في قطر نازلاً عند قبيلة النعيم، فعاد إلى البحرين في آخر شعبان سنة 1286هـ/ 1870م، في أفراد من قبيلة النعيم ونزلوا في المحرق، وكان عيسى كريماً أنعم على القبائل التي كانت معه في قطر بمبالغ كبيرة يوم تقلد الإمارة. بدأ عيسى في تأسيس المدارس في البحرين ووضع أول حجر في مدرسة بيده وأنشأ الشيخ عيسى محجراً صحياً عام 1327هـ/ 1909، كما أمر ببناء مرفأ على ساحل المنامة عام 1330هـ.

وبعد أن وطد الشيخ عيسى الحكم، وسيطر على الأمور الداخلية في البلاد، فكر أن يستعين ببريطانيا صاحبة النفوذ الأول في الخليج، من أجل حمايته ومساعدته ضد أطماع الدول المحلية المجاورة وقتذاك، ويأتي على رأسها دولة فارس وسلطنة مسقط، فوقع مع بريطانيا معاهدة عام 1286هـ / 1880م، وجددت تلك الاتفاقية بمعاهدة ثانية عام 1310هـ / 1892م، ومعاهدة ثالثة عام 1311هـ / 1893م، وتعهد الشيخ عيسى بموجبها للإنجليز، بما أدخله في جملة محمياتهم، وكبلته هو ومن يأتي بعده من حكام البحرين بقيود، جعلت بريطانيا تسيطر على البحرين سيطرة أكيدة، من هذه القيود والشروط أنه: لا يحق لشيخ البحرين أن يتنازل عن أي جزء من أرضه إلى أي جهة سوى بريطانيا. ولا يحق له أن يعقد أي اتفاق أو يقيم علاقة مع دولة أخرى، دون علم بريطانيا. وأبعد من ذلك، التزم الشيخ عيسى بتعهد للحكومة البريطانية، يتم بمقتضاه أن يؤكد شيخ البحرين ويلتزم، بأنه في حال احتمال وجود النفط في بلاده البحرين، فإنه لن يستثمره بنفسه، وليس له الحق أن يفاتح أحد بخصوصه بدون استشارة المستشار البريطاني في البحرين، وبعد الحصول على موافقة الحكومة البريطانية السامية،

وقد حاولت الدولة العثمانية في عام 1296هـ/ 1879م أن تحصل من الشيخ عيسى بن علي آل خليفة، على موافقة بإنشاء مستودع للفحم في بلاده، وعندما علم بذلك المقيم البريطاني (روبرتسون) أبلغ حكومته بالأمر، وتم إقناع الحكومة العثمانية بالعدول عن هذا المشروع لإبعاد النفوذ العثماني عن البحرين. وتم توقيع معاهدة بين بريطانيا والبحرين.

وكان الإمام عبد الرحمن بن فيصل والد الملك عبد العزيز قد لجأ إلى الشيخ عيسى بن علي آل خليفة في عام (1309هـ/ 1891م) وكان بصحبته ابنه عبد العزيز الذي لم يكن قد تجاوز العاشرة من عمره وقتذاك عندما كان الإمام عبد الرحمن يبحث له ولأسرته عن مأوى آمن يلجأ إليه بعد مغادرته نجد إلى الصحراء فقطر ثم البحرين. وقد سمح له الشيخ عيسى بالإقامة في البحرين.

وخلال فترة حكم الملك عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية التي امتدت فشملت جزءاً كبيراً من حكم الشيخ عيسى بن علي بن خليفة آل خليفة، وابنه حمد، وحفيده سلمان، تبودلت الزيارات بين حكام ومسئولي البلدين، توثيقاً لعرى الصداقة والمودة بين الطرفين وللتشاور فيما يجد من أحداث.

وظل عيسى بن علي مخلصاً للإنجليز طوال حكمه، لكنهم لم يقابلوا هذا الوفاء بمثله، بل عمدوا إلى إهانته والتضييق عليه، ومن أمثلة ذلك:

1. في عام 1311هـ/ 1893م ثار الجلاهمة وآل علي وبني هاجر في الزبارة، وعزموا على حرب آل خليفة، الذين اتصلوا بالوكيل السياسي البريطاني المقيم في بوشهر، يطلبون أذنه بالتصدي لهذه الثورة، فرفض السماح لهم بإعداد جيش لذلك، بل وهددهم من نقض الاتفاق الموقع مع بريطانيا. وعندما طلبوا منه تحمل مسؤولية الدفاع عن البحرين، اشترط عليهم شروطاً لم يجدوا بداً من الموافقة عليها، ومنها إقامة وكالة في البحرين، للإشراف على شؤون الرعايا البريطانيين. فوافقوا مكرهين، ونظير ذلك قامت البوارج البريطانية بإخماد ثورة الزبارة.

2. في عام 1321هـ/ 1903م أهان خادم ألماني ابن أخي عيسى بن علي فضربه، فشكا الخادم إلى رئيسه فرفع الرئيس الأمر إلى الوكيل السامي البريطاني وإلى الحكومة الألمانية، فاعتذرت حكومة البحرين، ودفعت للخادم ثلاثة آلاف روبية. لكن هذه التسوية لم تكن مرضية في نظر الوكيل السامي السياسي البريطاني برسي كوكس، فجاء في بوارجه الحربية إلى البحرين وعرض لائحة بما تطلبه الحكومة البريطانية، جزاء ضرب الألماني ومنها حرق ما تبقى من سفن البحرين الحربية، ونَفْي ابن أخي عيسى إلى الهند، لمدة خمس سنوات، وإحالة النظر في شؤون الأجانب إلى الوكالة البريطانية في البحرين.

3. في عام 1341هـ/ 1923م حدث أن سرقت ساعة من بيت تاجر نجدي، فاتُهم بالسرقة رجل من الفرس، فقام أهل بلاده يدافعون عنه، فأدى ذلك إلى خلاف بين النجديين والفرس. ولما كان الطرفان من الأجانب، فإن الحكومة اكتفت بحفظ الأمن، فأبرقت الوكالة البريطانية إلى برسي كوكس بالخبر، فجاء مسرعاً إلى البحرين، وكان أول طلباته عزل عيسى بن علي، من الحكم وتولية ابنه حمد. ثم تبع ذلك بسلسلة من الأوامر. منها إلغاء المحاكم الوطنية، وتحديد رواتب لمحمد وأفراد أسرة آل خليفة، من واردات الجمارك تحول إلى بنك بريطاني في المنامة، وتأسيس ديوان تحت مسمى مركز الحكومة، ليقوم مقام المحاكم الوطنية. وهكذا تحولت البحرين من دولة ذات سيادة لها أسطول حربي، إلى محمية تابعة لبريطانيا يحكمها الوكيل السياسي البريطاني المقيم في بوشهر.

إلا أن بعض المؤرخين يروون أن الشيخ حمد بن عيسى بن على، حفظ حق أبيه في مباشرة الحكم، ولم يباشر هو الحكم إلا بعد وفاة والده الشيخ عيسى بن على في عام 1351هـ،1932م، وأقام عيسى في البحرين بقية حياته إلى أن توفى بها عام 1932م.

11. حمد بن عيسى بن علي (1351 ـ 1361هـ/ 1932 ـ 1942م)

استمر حكم الشيخ حمد بن عيسى بن علي للبحرين عشرة أعوام. وفي عهده بدأ التنقيب عن النفط وتأسست شركة لاستخراجه وتصديره. وافتتح الجسر الذي يربط المنامة بالمحرق عام 1360هـ/ 1941م، وسمي هذا الجسر باسمه، كما شيد قصر القضيبية، الذي يُعرف بالقصر القديم. وتوفى بالسكتة القلبية في بلده في عام 1361هـ/ 1942م.

12. سلمان بن حمد بن عيسى (1361 ـ 1381هـ/ 1942 ـ 1961م)

تولى الحكم بعد والده عام 1361هـ/ 1942م، واستمر حكمه للبلاد 20 عاماً. وازدهرت البحرين في أيامه، ونالت قسطاً كبيراً من التحضر، وتطور في عهده الاقتصاد الوطني. وأنشأ المدارس والمستشفيات، وأندية الأدب، واهتم بإيصال مياه الشرب النقية والكهرباء إلى المدن والقرى، كما اهتم بالمشاريع العمرانية والبلدية والزراعية.

وفي 11 رجب 1377هـ/ 31 يناير 1958م عين ابنه الأكبر عيسى بن سلمان آل خليفة ولياً للعهد، وفي الشهر التالي زار الشيخ سلمان بن حمد آل الخليفة المملكة العربية السعودية، مصطحباً معه ولي عهده ووفداً يضم مسؤولين كباراً، للاجتماع مع الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود، وتوجت تلك الزيارة بإبرام معاهدة بين البلدين، لتخطيط الحدود البحرية، والتوصل إلى تقسيم عادل لعائدات النفط المستخرج من منطقة ساحلية متنازع عليها سابقاً.

وبسبب مرض الشيخ سلمان، وَكَّل ابنه الشيخ عيسى بن سلمان في رئاسة مجلس عائلة آل خليفة. وتوفي الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة في عام 1381هـ/ الثاني من نوفمبر 1961م.

13. عيسى بن سلمان آل خليفة (1381 ـ 1419هـ/ 1961 ـ 1999م)

تولى عيسى بن سلمان آل خليفة مقاليد الحكم في دولة البحرين، وأعلن استقلال البحرين في عهده في 22 جمادى الآخرة 1391هـ/ 14 أغسطس 1971م، وصدر على الفور مرسوم بتغيير لقب حاكم البحرين إلى "أمير دولة البحرين"، وانضمت البحرين بعد الاستقلال إلى هيئة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية. كما تشكل مجلس الدولة الذي حولت مهامه فيما بعد لأول مجلس للوزراء عام 1391هـ/ 1975م، وكون حرس وطني تحت قيادة حمد بن عيسى آل خليفة، وتألفت حكومة يرأسها رئيس الوزراء الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، وقد تم حل المجلس في عام 1395هـ/ 1975م بسبب الاستياء من طريقة عمله، واستبدل أخيراً بمجلس الشورى.  

أصدر الشيخ عيسى أول دستور في تاريخ البحرين.

كانت البحرين أول دولة خليجية تعثر على النفط بكميات يمكن استغلالها تجارياً في أوائل الثلاثينات من هذا القرن، ولكنها لم تتحول إلى مُصدر مهم للبترول، بل إن احتياطياتها تتناقص. وخلص الشيخ عيسى وحكومته إلى أن تنوع الاقتصاد هو الضمان الوحيد لتوفير مستقبل مزدهر للجزيرة. 

نهضت دولة البحرين في عهد الشيخ عيسى، ففتح مزيداً من المدارس، وفتح جامعة، وأرسل أبناء البلاد من بنين وبنات إلى الخارج في بعثات علمية‎، وأصبحت دولة البحرين الآن تزخر بالمؤهلين والمؤهلات في فروع العلم المختلفة.

وكانت البحرين قد أصدرت أول عُمْلة وطنية هي الدينار البحريني في رجب 1385هـ/ أكتوبر 1965م. واحتلت البحرين مركزاً هاماً في المجال المصرفي العالمي، إذ بلغ عدد الوحدات المصرفية في البحرين ما يقارب الستين وحدة، وأصبح قطاع البنوك والمصارف (أكثر من عشرين مصرفاً تجارياً) دعامة من دعائم الاقتصاد الوطني.   

وقد ساعد الاستقرار السياسي في البلاد على ذلك التقدم فأصبحت من أكبر المراكز المالية في المنطقة. كما ساعد على ذلك الحرب اللبنانية، ثم الغزو الإسرائيلي عام 1402هـ/ 1982م، الذي قوض بيروت باعتبارها مركزاً مالياً. 

وامتدت النهضة لكي تربط البحرين بجاراتها وتساعد على نمو حركة التجارة والاتصال بينها وبين جاراتها، فأنشِئ بالتعاون مع شقيقتها المملكة العربية السعودية جسر الملك فهد بطول 25 كيلومتراً، ليربط البحرين بالمملكة العربية السعودية، وافتتح في صفر 1407هـ/ 2 نوفمبر 1986م، ليصبح التنقل بين البلدين سهلاً ميسوراً عبر هذا الجسر.

كما تم إقامة العديد من المشروعات ومنها شركة ألمنيوم البحرين، ومصنع لكريات الحديد الخام، وشركة نفط البحرين، والحوض الجاف لإصلاح السفن، وميناء سلمان ومشروع الغاز المصاحب، وصناعة البلاستيك، ومواد البناء، والبيوت الجاهزة، ومشروع مدينة عيسى الإسكاني. وحرص الشيخ عيسى بن سلمان على أن يمتلك كل مواطن بيتاً خاصاً به وبأسرته، وشملت نهضة البلاد جميع القطاعات الأخرى، مثل الصحة، والعدل، والأشغال، والكهرباء، والماء، والمواصلات، وغيرها.

وتوفي الشيخ عيسى بن سلمان يوم السبت 18 ذو القعدة 1419هـ/ 6 مارس 1999م بمدينة المنامة، وذلك اثر أزمة قلبية فاجأته. ووري جثمانه في مقبرة الرفاع.

14. حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة (1419هـ ـ ..../ 1999م ـ ....)

هو حمد بن عيسى بن سلمان بن حمد بن عيسى بن علي بن خليفة بن سلمان بن أحمد الفاتح بن محمد بن خليفة العتبي.

ولد في 28 يناير 1950م، الموافق 7 ربيع الأول 1369هـ، في مدينة الرفاع في دولة البحرين، وهو أكبر أبناء الأمير عيسى بن سلمان آل خليفة. كان حريصاً على حضور مجالس والده ليسمع الكثير من القصص والروايات التي تحكي تاريخ الأبطال والأمم والوقائع، وذكر عوامل النصر والهزيمة. وواظب علي تلاوة القرآن الكريم، وتعلم مبادئ الدين، واللغة على يد متخصصين بالدراسة الإسلامية، مما كان له الأثر في تقدم لغته وأسلوبه وتذوقه للشعر العربي والنبطي، اهتم بتعلم السباحة والرماية والفروسية على أيدي مدربين مهرة.

التحق حمد بن عيسى آل خليفة بالدراسة الابتدائية في البحرين بعد السادسة من عمره، وأكمل الدراسة الابتدائية بتفوق في عام 1964م. والتحق بالدراسة الثانوية. وتعلم اللغة الإنجليزية وأتقنها في مدرسة (ليز) بمدينة كامبردج البريطانية، وعاد إلى البحرين في صيف عام 1967م.

في 21 يونيه 1971م التحق الشيخ حمد بمقره العسكري التدريبي في كلية القيادة ورئاسة الأركان في فورت ليفنويرث في كنساس بالولايات المتحدة الأمريكية، ومنح وسام الحرية لمدينة كنساس من قبل عمدة مدينة كنساس وشعبها. وكان في أوقات فراغه في ليفنويرث يتلقى مقررا في المراسلات الخارجية للكلية الصناعية للقوات المسلحة في واشنطن، حيث نال شهادة الدبلوم الوطنية في الإدارة العسكرية في 31 مايو 1972م، وفي التاسع من يونيه من العام التالي تخرج بدرجة شرف في القيادة ورئاسة الأركان، كما حصل في 26 يونيه 1972م على شهادة الشرف العسكرية من الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك تقديراً لما أنجزه في الشؤون العسكرية منذ عام 1968م.

في أكتوبر 1977م، بدأ تدريبه النظري على طائرات الهليكوبتر، وتخرج كطيار مؤهل لقيادة طائرة هليكوبتر في 14 يناير 1978م.

أصبح الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، ولياً للعهد في 27 يونيه 1964م.

وعلى أثر عودة الشيخ حمد بن عيسى إلى البحرين بعد تخرجه من الدورة العسكرية بكلية مونز الحربية للضباط في مدينة درشوت همبشاير في 14 سبتمبر 1968م، قام بوضع خطة لإنشاء قوة دفاع البحرين التي تم تعزيزها ببراءة أميرية في مستهل شهر أغسطس عام 1968م، وظل يشغل منصب القائد العام لقوة دفاع البحرين منذ البدء في تأسيسها عام 1968م. وتولى منصب رئيس دائرة الدفاع، وأصبح عضواً في مجلس الدولة، ثم أصبح وزيراً للدفاع، في أول تشكيل لمجلس الوزراء البحريني في 15 أغسطس 1971م.

عين الشيخ حمد بن عيسى نائباً لرئيس مجلس العائلة الخليفية حينما شكل بأمر أميري صادر من الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة أمير دولة البحرين في 26 يونيه 1974م.

في عام 1975م عين الشيخ حمد بن عيسى رئيساً للمجلس الأعلى للشباب والرياضة، واهتم بالرياضة ورعاية الرياضيين، إيماناً منه بدور الشباب في خدمة الوطن. كما اهتم برياضة الفروسية، وبدراسة الأصول التاريخية لسلالات الخيل في البحرين.

تولى الشيخ حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة الحكم أميراً للبحرين يوم السبت 18 ذي القعدة 1419هـ الموافق 6 مارس 1999م. في نفس يوم وفاة والده الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة.

في يوم الثلاثاء 21 ذو القعدة 1419م الموافق 9 مارس 1999م، أصدر الشيخ حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة أمير البحرين مرسوماً أميرياً يقضي بتعيين ابنه الأكبر الشيخ سلمان بن حمد بن عيسى آل خليفة ولياً للعهد.

وعقب صدور المرسوم عقد مجلس الوزراء البحريني جلسة استثنائية، حضرها الأمير الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة أدى فيها ولي العهد الجديد اليمين القانونية.

وقد عُدل دستور البلاد في 14 فبراير 2002م الموافق 2 ذو الحجة 1422 هـ، فأصبحت البحرين مملكة، وأصبح حمد بن عيسى ملكاً عليها.