الملك عبدالعزيز

 

وُلد - رحمه الله - في الرياض أيام النكبة التي واجهتها الأسرة السعودية بسبب الانقسام على نفسها واقتتال أركانها ، وتختلف الروايات حول تاريخ ميلاده اختلافاً يسيراً ، ويجمع أغلب المؤرخين على أنه ولد سنة 1293هـ/1876م  ( وتوفي رحمه الله في 2/3/1373هـ عن ثمانين عام ).

عهد به والده الإمام عبدالرحمن في سن متقدمة إلى شيخ (مطوّع) من أهل الخرج اسمه عبدالله الخرجي ليتعلم مبادئ القراءة والكتابة وحفظ سوراً من القرآن الكريم ، وقرأ القرآن كاملاً على يد الشيخ محمد بن مصيبيح ، ثم تلقى بعض أصول الفقه والتوحيد على يد الشيخ عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ ،

 ومما يروي عن الملك عبد العزيز وسعة اطلاعه وثقافته الفقهية ، أنه في احد الأيام رفعت المحكمة حكما اصدرته للتصديق عليه من الملك باعدام جندي قتل زوجته ومعها جندي آخر، فلما قرأ الملك القضية وجد أن الزوج افتقد زوجته عدة ايام وبحث عنها فوجدها عند احد الجنود فقام بقتلهما ، وأعترف الجندي بالقتل لدى القاضي ، ولكنه لم يحسن الدفاع عن نفسه فحكم عليه القاضي بالقصاص ، ولما قرأ الملك الحكم رفض التصديق عليه وأمر باطلاق سراح القاتل ودعى رئيس المحكمة  وعاتبه وقال له : ألم تقرأ الحديث الذي فيه إنني اغيركم والله أغير مني ؟.
وهذا الحديث في صحيحي البخاري ومسلم ويعرف بحديث سعد ، وفيه أن سعد بن عباده قال للرسول " ص" : يارسول الله .. لو وجدت مع أهلي رجلا .. لا امسّه حتى آتى باربعة شهود ؟
قال الرسول "ص" : نعم
فقال سعد : كلا والذي بعثك بالحق .. لأعاجله بالسيف قبل ذلك .
فقال "ص" : اسمعوا الى مايقول سيدكم .. انه لغيور وأنا أغير منه والله أغير مني .
وبعد هذه الحادثه التقى أحد المشائخ بالقاضي الذي اصدر الحكم وسأله عن القاتل ، فقال القاضي لقد عفى عنه الملك ، فقال الشيخ لا لم يعفوا عنه ولكنه حماه من جهلكم وهو اعلم منكم .

كان الملك عبدالعزيز، كما يقول عنه الزركلي ، طويل القامة عريض المنكبين بارز الصدر حاد العينين دقيق الخصر ضامر البطن مفتول الساعدين والساقين رشيق الحركة .

ومن صفاة الملك عبدالعزيز كرهه للوشاية ، ويقول الزركلي بأنه إذا حدثه أحد من رجاله بأمر يتعلق بزميل له ، ينقل الملك حديثه للشخص الآخر ويقول له : أخبرني به فلان ! فكف الجميع عن الوشاية.

ويروى أنه أحسن استعمال البندقية وركوب الخيل كأحد الفرسان وهو في سن الصبا، بل إنه في سن السابعة كانت تبدو عليه صفات النشاط والحيوية والحركة الدائمة ، وقيل إنه غلب أول مبارز له وهو في الحادية عشرة من عمره.

ينقل حافظ وهبة عن بعض أصدقائه الكويتيين الذين عاصروا الملك عبدالعزيز ورافقوه ( أنه كان يفوقهم نشاطاً وذكاءً وأنه كان يتزعمهم في ألعابهم ، وكان يميل إلى سماع تاريخ أجداده وخاصة جده الإمام فيصل بن تركي ).

ويروي خالد الفرج أن الشيخ عيسى بن علي آل خليفة ، حاكم البحرين ، أراد أن يلاطف الفتى عبدالعزيز فسأله: هل قطَر أحسن أم البحرين؟ فأجابه عبدالعزيز من الفور: الرياض أحسن منهما. فقال الشيخ عيسى: سيكون لهذا الغلام شأن .

ويقول الدكتور عبدالله بن صالح العثيمين عن الملك عبدالعزيز: ( وقد وهبـه الله من الذكـاء ما ساعده على النجاح ، وتهيأ له من الظروف المحيطة بطفولته ما صقل مواهبه وأثرى تجاربه ، وإذا كانت جلساته مع القادة من أفراد أسرته والمقربين من علماء وزعماء قد مكنته من معرفة الشيء الكثير من أمور الدين والتاريخ والأدب وقصص الأبطال قديماً وحديثاً  ، فإن ما رآه من مشاكل الفرقة بين أفراد أسرته وآثارها السلبية على واقعها وواقع البلاد عامة قد علمه الكثير من الدروس والعبر، واجتمعت صفاته الذاتية مع مكتسباته الحيوية الغنية لتبلور منه شخصية قيادية رائدة في مستقبل أيامه) .

 عندما حاصرمحمد بن رشيد الرياض في مستهل سنة 1308هـ/أغسطس1890م ، كان الملك عبدالعزيز ضمن الوفد الذي أرسله والده للتفاوض مع ابن رشيد ، وكان الوفد يضم عمه محمد بن فيصل والشيخ عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ والشيخ حمد بن فارس ، وكانت تلك التجربة أولى تجاربه السياسية.

 وفي كل هذا وغيره دلالات على مدى نبوغ الفتى عبدالعزيز وألمعيته، فحينما كان مع والده في الغربة المريرة في الصحراء أرسله أبوه إلى حاكم البحرين يستأذنه في نزول نساء الأسرة وأطفالها بأرضه ، وبعد مدة وجيزة رجع عبدالعزيز بالسماح ، أما التجربة السياسية الثالثة، وهو في صغر سنه، فهي سفارته إلى الأحساء ، فقد أرسله والده إلى الهفوف ليفاوض الحاكم العثماني لعله يسمح للإمام عبدالرحمن ومن معه أن يستقروا في الأحساء أو في جوارها، ولكن سفارته هذه لم تفلح .

 وطالت المدة التي قضاها الملك عبدالعزيز في صحبة والده؛ ذلك أن النساء والأطفال قد استقروا في البحرين ، أما الرجال فكان عليهم التنقل من مكان إلى آخر بين مضارب آل مرة والعجمان ، فطالت المدة إلى حوالي سبعة أشهر أو يزيد ، وبدأ عبدالعزيز يألف البادية ويجاري أبناءها في تحمل مكاره العيش والصبر على الظمأ والجوع والتعب وافتراش الأرض والتحاف السماء .

 يرى أكثر مَن كَتب عن الملك عبدالعزيز أن الكويت كانت مدرسته التي تلقى فيها السياسة العملية وكان عمره آنذاك حوالي سبع عشرة سنة ، وكانت أيام الشيخ مبارك الصباح المملوءة بالمناورات والمحاورات تنطبع مقدماتها ونتائجها في ذهن الفتى عبدالعزيز ، وقد شارك في بعضها حين آنس فيه الشيخ مبارك صفات الألمعي اللبق فقرّبه منه وفسح له المجال لحضور مجالسه والاستماع إلى أحاديثه مع ممثلي الحكومات الإنجليزية والروسية والألمانية والتركية.

 وكان الفتى عبدالعزيز يرى أن كل هذا لا يعنيه مباشرة كما تعنيه حوادث قلب شبه الجزيرة العربية حيث مُلك آبائه وأجداده الذي استعاده في ملحمة تاريخية يعرفها الجميع .