معركة البكيرية

علم عبدالعزيز بن متعب بن رشيد بانتصارات ابن سعود في القصيم  وهو في العراق يستمد العون من الدولة العثمانية ويستثير قبيلة شمر لنجدته فاشتد غضبه، خاصة على أهل القصيم الذين ساعدوا الأمير عبدالعزيز بن سعود.

 أمدته الدولة العثمانية بعدد كبير من الجند النظامين بأسلحتهم الحديثة من المدافع وكميات كبيرة من المؤن ، وقدّر عدد الجنود المدد بنحو ألف وخمسمائة جندي أغلبهم من الشام والعراق يعملون في الجيش العثماني ، وقام ابن رشيد بمصادرة ما وجد من إبل العقيلات القصيميين الذين كانوا يجوبون البلاد للتجارة بين العراق والشام ومصر وشبه الجزيرة العربية وحمَّل عليها قسماً كبيراً مما حصل عليه من أطعمة ومؤن وأسلحة نقلها من العراق إلى نجد ، وأسرع  إلى القصيم بمن اجتمع لديه من البدو، خاصة من قبيلة شمر، وفئات من الحضر والجيش النظامي العثماني  يريد القضاء على ابن سعود، أو على الأقل إخراجه من القصيم ، والتحق به ماجدبن حمود بن رشيد ومن معه، ووصلوا إلى بلدة القصيباء ومنها إلى الشيحية بالقرب من البكيرية.

وإزاء هذه الجموع استنهض الأمير عبدالعزيز بن سعود وهو في بريدة أهل البادية والحاضرة ليجتمعوا عنده ، وبلغ عدد الوافدين عليه عدة آلاف من المحاربين  خرج بهم من بريدة ونزل البكيرية في مواجهة خصمه، وكان ذلك في أول شهر ربيع الثاني 1322هـ/ يونيه1904م. وكانت خطة الأمير عبدالعزيز أن يقسم جيشه إلى قسمَين.. قسم بقيادته يضم أهل العارض وجنوبي القصيم  خصصه لملاقاة جموع قبيلة شمر وابن رشيد ، والقسم الثاني يضم أهل القصيم ومن تبعهم من قبائل مطير وغيرها خصصهم لملاقاة الجيش العثماني النظامي.

نشب القتال بين الطرفَين ، ورجحت كفة ابن رشيد في بداية المعركة ، إذ ركز نيران مدافعه ضد القسم الذي يقوده الأمير عبدالعزيز مما ألحق به خسائر بشرية كبيرة وأرهق قواته، ومع آخر النهار ، فضلاً عن جرح يده اليسرى بشظية ، اضطر ابن سعود إلى التراجع إلى جهة بلدة المذنب ، ولكن أهل القصيم لم يعلموا بأن القسم الآخر من الجيش قد انهزم ، وحققوا  تقدماً ضد الجنود النظاميين المحاربين في صفوف ابن رشيد؛ فحولوا الهزيمة إلى نصر وأسروا عدداً من أولئك الجنود وغنموا بعض المدافع وعادوا إلى البكيرية مع الليل ، وعلى الرغم من ذلك فإن قوات ابن رشيد ظلت متماسكة وثابتة.

لما أدرك أهل القصيم أنهم لا يزالون معرضين لخطر ابن رشيد غادروا البكيرية عائدين إلى بلدانهم حاملين معهم ما خف من الغنائم وتركوا الأسرى والمدافع وراءهم.

كانت الخسائر البشرية كبيرة لدى الطرفَين خاصة بين الجنود النظاميين ، فقد خسر ابن سعود 900 رجل من قواته منهم أربعة من آل سعود ، وقُتل من جيش الأتراك نحو ألف جندي بينهم أربعة ضباط كبار ، وقُتل من أهل حائل أيضاً 300 فرد بينهم اثنان من آل رشيد.

وصل الأمير عبدالعزيز مع أتباعه إلى ما بعد بلدة المذنب ولما وصلته الأخبار بانتصار أهل القصيم على جيش ابن رشيد قدم إلى عنيزة في اليوم التالي للمعركة واستعاد قوته، وتوافدت عليه جموع من بوادي عتيبة ومطير فتجمع لديه في ستة أيام اثنا عشر ألف مقاتل.

وفي الوقت نفسه عاد ابن رشيد من الشيحية التي تجمعت فيها فلوله ورجع إلى البكيرية بعد أن علم بانسحاب أهل القصيم منها ، ومن هناك انطلق إلى بلدة الخَبْراء ، ولكن أبى أهلها أن يعلنوا له الطاعة فأمر بقطع النخيل وقذف البلدة بالمدافع ، وعمد الأمير عبدالعزيز للعودة إلى البكيرية للسيطرة عليها  إلا أن ابن رشيد سارع إلى إرسال سرية بقيادة سلطان الحمود بن رشيد اصطدمت بخيالة ابن سعود عند الفجر فانهزمت ودخل الأمير عبدالعزيز البكيرية وفتك بالحامية الرشيدية فيها واستولى على المستودعات التي رتبها ابن رشيد، ثم تعقب جيش ابن رشيد الذي ارتحل من بلدة الخَبْراء إلى الشنانة واتخذ منها معسكراً له ، وتمركزت قوات الأمير عبدالعزيز بن سعود في الرس.

 

معركة الشنانة

على الرغم من أهمية معركة البكيرية إلاّ أنها لم تكن حاسمة، فقد خسر الأمير عبدالعزيز بن سعود كثيراً من جنده ومعداته ، ولكنه بخبرته وحسن قيادته استطاع أن يعوض هذا النقص وجمع حوالي عشرة آلاف مقاتل في خلال عشرة أيام.

بقي الطرفان في موقعيهما مدة شهرَين؛ ابن رشيد في الشنانة، يقابله ابن سعود في الرس ، كانت المناوشات الخفيفة تجري بينهما من دون قتال حاسم مما أصاب المحاربين في الطرفين بالضجر وتناقصت الإمدادات والإبل وتفرقت جموع البادية ولم يبق مع ابن الرشيد سوى الجنود النظاميين وأهل الجبل ، كذلك لم يثبت مع ابن سعود سوى أهل الحاضرة ، ورحل عبدالعزيز بن رشيد بجنوده الجياع إلى قصر ابن عقيّل وفيه سرية لابن سعود فضربه بالمدافع ، وقبل أن يهجم على القصر في الصباح كان الأمير عبدالعزيز بن سعود قد سبقه إلى داخله وثبت فيه ، وفي الصباح صب ابن رشيد نيران مدافعه على القصر فخرج له ابن سعود، واقتتلوا قتالاً شديداً انهزمت على أثره قوات الترك النظاميين وفروا هاربين فلم يجد عبدالعزيز بن رشيد بداً من الهرب أيضاً تاركاً وراءه غنائم كثيرة من الذخائر والسلاح والأموال، وظلت قوات ابن سعود تجمعها طيلة عشرة أيام وحملت صناديق الذهب العثماني إلى عنيزة.

وكانت معركة الشنانة في 18 رجب 1322هـ/29 سبتمبر 1904م